هل لاحظت من قبل أن الأمور قد أصبحت معقدة بشكل مثير وانقلبت رأساً على عقب من حولك , وبعد ذلك حدث تحول أخر أكثر إثارة نحو ألأفضل
قد يقول شخص إنه كان على وشك اليأس والاستسلام قبل أن يصنع مستقبله , فقد كان كالغريق دون مجداف يسبح به , لا يجد حتى قشة ليتعلق بها , ولكن فجأة بدأ كل شيء يتحول نحو الأفضل ليصبح هذا الشخص بعد ذلك رجل أعمال ناجحاً ويجنى ثمار جهده الطويل .
وقد نقرأ أو نسمع عن بطل رياضي قد أصابه اليأس والإحباط ولم يستطع الفوز بأية مباراة . ولكن وبينما كان على حافة الاستسلام والتراجع إلى الوراء , تحمل وصبر وأعطى لنفسه فترة كافية , نجح من خلالها في أن يحول مستقبله الرياضي تماماً من الفشل إلى نجاح يجنى من خلاله ثمار المجد .
ربما تكون قد مررت بهذه التجربة من قبل , حين سألت نفسك متعجباً عمّا إذا كانت الحياة تستحق كل هذا الجهد والعناء , ثم قابلت شخصاً استطاع أن يرفعك إلى عنان السماء .
نعم أخي إن هذا هو طبع الحياة , فهناك مبدأ يحكم هذا الأمر وهو مبدأ " إن مع العسر يسرا " و " إن النصر مع الصبر " و " إن الفرج مع الكرب" , فقد يضيق بنا الحال ويبدو على أسوأ ما يكون , ولكن إذا تمهلنا قليلاً وتحلينا بالصبر , فسنكافأ على صبرنا هذا ونحصل على ما نريد , نعم فدائماً ما تكون أحلك الساعات هي تلك التي تسبق الفجر .
فولادة الطفل وخروجه إلى الدنيا تعد دليلاً على صحة هذا المبدأ , فقبل أن تأتى أعظم هدية إلى الحياة مباشرة , يخضع صبر الأم لاختبار حقيقي , فتتحمل آلاماً مبرحة حتى يخرج وليدها إلى النور .
فعندما نؤمن بهذا المبدأ وندرك معناه الحقيقي ستفقد الحياة الكثير من قسوتها , فأحياناً تكون الشدائد اختباراً من الله لصبرنا وصدق عزمنا على تحقيق الهدف الذي نسعى من أجله . فإذا تحلينا بالصبر قليلاً وتمسكنا بعزيمتنا فسننال ما نريد !
وبمجرد أن ندرك هذا المبدأ , سنستطيع بالفعل أن نخطو خطوة بل خطوات للأمام .
فعندما تشعر بأن كل شيء من حولك قد أصبح كئيباً , قل لنفسك " إن الأمور لا تسير على ما يُرام ! ربما يعنى هذا أن كل ما كنت أسعى من أجله على وشك أن يتحقق وسيتحقق بإذن الله " وقتها ستشعر بقوة تحملك على أن تواصل حياتك بشكل جيد ومريح .
ولكن علينا أن ندرك أننا جميعاً سوف نخضع لهذا الاختبار قبل تحقيق شيء ذي قيمة بالنسبة لنا , فإذا استطعنا إدراك هذا المبدأ واعتبار هذه الصعاب جزءاً ضرورياً من عملية الإنجاز والوصول إلى ما نريد , فسنحقق كل ما نرغب في تحقيقه .
فلا تدع الدنيا أخي تخدعك , فربما تكون لحظة انفراج الأزمة قريبة جداً وأنت لا تدرى , فحينما تشتد عليك الأمور , كن قويا كالجبل بأوتاده , بمعنى أخر فليكن ما في باطنك أقوى وأعمق مما فى ظاهرك , فهذا الجبل لو لم يكن له أوتاد ولا عمق , هل سيثبت في وجه العواصف والزلازل ؟ حتماًً لا بنفس الطريقة نحن إذا ما كان لدينا من الأساسيات المتينة بداخلنا فلن نصمد أمام أقل شهوة أو أزمة تقابلنا , وما أكثرهن , فكن قوياً كالجبل بأوتاده وبكل ما يحمله , فهو" أي الجبل " هدف صعب وليس بالسهولة اقتلاعه أو هدمه أو حتى تجاوزه , ولكن في المقابل إذا لم يكن لك عمق ولا أساس ترتكز عليه فستكون لقمة سهلة وسوف تقتلع بكل سهولة ويسر.
فنحن نعرف أناس ولدوا وترعرعوا في أحضان الرفاهية والترف , وكانوا دائماً يعتمدون على شخص ما , ولم يضطروا إلى شق طريقهم بأنفسهم لأنهم لن يتحملوا المعاناة التي ستقابلهم , كما كان لديهم أيضاً من يحتضنهم ويمسح على رؤوسهم , فنادراً ما تجدهم يكتسبون قوة عظيمة أو قدرة على الاحتمال , فإنهم بذلك يُشبهون الشجيرات الصغيرة في الغابة , مع الأشجار الشامخة التي كافحت من أجل كل شبر من نمّوها , وصارعت العواقب منذ أن كانت مجرد بذرة , إلى أن أصبحت شجرة عظيمة تسر الناظرين .
نعم أخي فالعملاق لا يصبح عملاقاً إلا من خلال مصارعته للمصاعب والتغلب عليها , ومن المستحيل أن يتمكن الشخص الذي لا يضطر إلى الكفاح ومُغالبة الصعاب أن يكتسب القوة والقدرة على الاحتمال , وكما قيل " أن تحيا بلا تجربة ومساع يعنى أن تموت مجرد نصف رجل "
فالحياة عبارة عن صالة ألعاب رياضية , ومن يكتفي بالجلوس على المقعد حتى الأمامي ومراقبة الأثقال والأجهزة الأخرى , لا ولن يكتسب قوة عضلية أو قدرة احتمال وجلد .
فإذا قام الوالدان بالتمارين الرياضية بدلاً من أطفالهم , فلن يكتسب الأطفال قوة عضلية , بل سيبقوا ضعفاء إلى أن يؤدوا تمارينهم الخاصة بهم بأنفسهم , فكم من الأهل الآن يحاولون القيام بالتمارين بدلاً من أطفالهم , بينما يراقبهم أطفالهم وهم جلوس على كرسي مريح , ومع ذلك يتساءل هؤلاء الأهل لماذا ينشأ أطفالهم ضعفاء , وعضلاتهم رخوة مترهلة . ولذلك
إذا ما أردت أن تحياة حياة غنية واسعة , وتعبر عن ذاتك بأسلوب مبدع يّوسع المدارك , فاحصل على حريتك مهما كان الثمن , فلا شيء يمكن أن يعوضك عن إخماد أفضل ما في داخلك من طاقة , ولهذا عليك إظهارها مهما بلغت التضحيات , فالأمر يتطلب قدراً كبيراً من الاحتكاك والصقل والمعاناة فهذا هو ما سيُظهر القوة الحقيقية لشخصيتك , فالماس ما كان ليظهر مدى عمق روعته وجماله , لولا احتكاكه مع الحجر الذي يُصّقل وجهه , ويسمح بالدخول وكشف ثرائها المُخبأ , إنه الثمن الذي تدفعه مقابل تحررها من الظلام , فلقد خلُقت الشدائد لأصحاب النفوس الشديدة , فكن واحداً منهم , ولا تكن عكس ذلك كي لا تموت وأنت حي .
وهناك حكمة تقول " إن أفضل الأشياء هي أصعبها !
وما زالت تلك الحكمة صحيحة حتى الآن ... فما يتحقق بغير تجرع وتعب لا نقدره غالباً حق قدره ولا نستمتع به , وغالباً ما نفقده بنفس السهولة التي جاءنا بها , لأن ما يأتي سهلاً يضيع سهلاً , أما ما بذلنا من أجله العرق والدموع ... فإننا نتشبث به ونحافظ عليه ونبنى فوقه لأننا نعرف جيداً كم شقينا كي نناله , وكم سهرنا من أجله الليالي .
وفى كل مراحل العمر على الإنسان دائماً أن يحاول تحويل خسائره الشخصية إلى مكاسب , فيحاول دائماً أن يبدأ من حيث فشل , مؤمناً بأن قطرة الماء تثقب الصخر وأن المستقبل الذي يسعى إليه هو مشروع سنوات طويلة وليس أسابيع أو شهور , وأن ما نعانيه من صعوبات أو آلام لن تستمر إلى الأبد , وحتى لو استمرت فلقد حولها غيرنا من خسائر إلى مكاسب , فلماذا لا نحاول مثلهم .
فبعض المؤرخين يعتقدون بل ويتأكدون أن الصعاب الشخصية التي واجهت بعض العباقرة والمشاهير هي السبب الأساسي في نبوغهم وفى شحذ إرادتهم لتحقيق ما حققوه , ويرون أنه لو لم يولد الفيلسوف الفرنسي ديكارت مريضاً عليلاً مهدداً بالإصابة بمرض السُل الذي ماتت به أمه ما سمح له مدرسوه بالبقاء فترات طويلة في الفراش والذهاب متأخراً إلى الفصل , وما قضى ساعاته في الفراش متأملاً ... ومفكراً ... وقارئاً ... مما أهّله بعد ذلك لوضع فلسفته التي يعتبرونه بها أبا الفلسفة الحديثة ., ونفس الشيء يمكن أن تقوله عن طه حسين والعقاد وغيرهما من العمالقة الذين تحدوا ظروفهم الشخصية أو الاجتماعية وشربوا هذا المزيج العجيب الذي ينبغي أن نوطن أنفسنا على أن نتجرعه حتى نصل إلى ما وصلوا إليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق